الخميس، 8 نوفمبر 2018

رسالة ماتيلدا الأخيرة إلى انطوان



حبيبي، سأذهب قبل أن تذهب أنت.. سأذهب قبل أن تمت رغبتك وشغفك، حينها ستبقى العاطفة فقط، وأعلم أنها لن تكون كافية لوحدها.. سأذهب قبل أن أًصبح تعيسة. سأذهب حاملة معي ذكرى عناقنا، ورائحتك، ونظراتك ومذاق قبلاتك.. سأذهب وأحتفظ بذكرى أحلى سنوات حياتي، تلك التي قضيتها معك. ها أنا أقبلك الآن برفق شديد حتى شعرت أنني أموت من فرط هذا اللين. طالما أحببتك، أحببتك أنت فقط. سأذهب كي لا تنساني..
ماتيلدا

الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

الحب والخيانة والإنسان الذي بينهما



















كلما تقدمت في العمر أيقنت أن النفس الإنسانية مركبة ومعقدة خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالعواطف والحب والغيرة والمشاعر المتخبطة. شخصية “غيث” في مسلسل “لو” شديدة التعقيد. إن الحب الذي يمتلكه جعل منه انسانًا حائرًا بين عاطفته نحو زوجته -التي خانته- وكرهه لها وغيرته عليها. إنه الانسان حين يتمنى أن يصبح قادرًا على الكره الكامل أو الغفران الكامل. إنه يتمنى لو تستطيع أن تعترف له بخيانتها حتى يرتاح ولكنه لا يريدها أن تعترف حتى لا يرى في عينيها الحرج والانكسار، هناك حالة ما من الحب هنا غريبة، أنه يتألم وينزف ولكنه يفضل أن يمتد ألمه أكثر من أن يرى في عينيها ما قد يخجلها.
إن حالة الألم التي وصل إليها غيث غير قابلة للوصف، حالة عبارة عن مزيج من الضغوطات الاجتماعية والمشاعر الإنسانية يمكن أن توصف بحالة “التورط” على حد تعبيره. حالة من التورط بين مبادئه وما ارتكبته زوجته. الخيانة خطيئة لا مبرر لها، إنه يشعر أن جميع من في الشارع يعلم ما ارتكبته زوجته ليلى وأن عليه أن يمشي في الشوارع دفاعًا عنها وعن سمعتها، وكأنه يرفض ما قد يظنه الآخرون بها ويرفض أن يتكون لديهم صورة تنافي المبادئ والأخلاق عنها. حالة غريبة من أن يرفض الإنسان الخطيئة ولكنه يصر على الدفاع عن مرتكبها حتى لو بقلبه، حالة مربكة ومشتتة تعري الإنسان وتجعله يتساءل عن مصداقية مبادئه. إن المواجهة بحقيقة خيانتها كانت في حد ذاتها صعبة جدًا لأسباب عديدة ومنها أنه لا يريد أن يرى في عينيها الخذلان والخجل ولأنه يخاف على صحتها من التدهور بسبب مرضها، لأنه لا يريد أن تعرف ابنتهما أمها يومًا بشكل أو أخر بتلك القصة وتشوه صورة أمها. إنه ضائع وفي حيرة واضحة من أمره..
 إنه يضع نفسه أمام الخيار الأصعب لمعرفة الحقيقة وهو أن يعرف كل شيء بنفسه محاولًا ألا يلفت انتباهها.. ومع كل هذا التخبط يصر ألا يعكر صفو أيامها ويصر على جعل أيام مرضها كأيام صحتها واضعًا على نفسه حمل ثقيل جدًا. إن غيث عاجز عن إظهار مشاعر الغضب والحزن والقهر التي يشعر بها، إنه لا يظهر عكس ما يبطنه فقط لأنه يريد أن يحافظ على مشاعرها ولكنه يفعل ذلك لأنه بالفعل يحبها، وقد تفلت منه احيانًا ردود تعبر عن غضب مكبوت فيعاتب نفسه ويخجل ويحزن حزنًا عميقًا على رده الغاضب وانفعاله، إنه يتألم بصدق ويكره أن يتعامل معها بشكل ينافي الحب، إنه يحبها ويريد أن يظهر لها حبه ويعجز عن فعل عكس ذلك رغم ما ارتكبته، وفي نفس الوقت إنه يريد أن يعبر عن غضبه وحزنه لخيانتها له ولكنه لا يستطيع.. لا يستطيع أن يغضب منها.. عاجز أمام عينيها ومضطر أن يبتلع ما تبقى من كرامته.. ويخاف أن تشعر هي بشكه فيها أو أن يلمح في عينيها حزن وخوف، ويخاف أن تنقلب المحبة التي يحملها في قلبه إلى كره في يوم ما، يخاف عليها من نفسه ويكره أن يكرهها في يوم ما.. إنه عاجز عن مصارحتها لأنه يحبها.. ويعترف لها في إحدى المرات وهي في غيبوبة أنه يحبها رغم كل ما فعلته.. الحب معقد جدًا، يتنافى مع المنطق الذي يحتم أن 1+1= 2.. كيف يمكن للحب أن يصمد بين كل هذه الخطايا؟ كيف ولماذا يتعرقل الحب ويخفت ويتلاشى ويتوقف بين المتحابين بينما يصمد هنا ويرفض أن يتزحزح بينما هو محاط بكل الأسلحة التي تهدد بقتله وتجعله قابل للسقوط.
زينب الحبيبي


الأحد، 24 أغسطس 2014

فيلم أرض الأحلام - داوود عبد السيد








انا مش قادرة اوصف حبي للفيلم دة..
من سنة تقريبا شفت الفيلم دة ومن اسبوع قررت اشوفه تاني، انا تابعته بنفس الشغف والتأمل، بس انا مكتبتش عن مشاعري تجاهه قبل كدة
يوجد حرق للأحداث
بداية رحلة نرجس اللي بتبدأ من ساعة ما بنشوفها قدام المراية بتحط الباروكة وتجري تركب العربية وتحاول تطلع من الركنة وهي بتخبط في العربيات اللي قدامها واللي وراها وبتروح بإرتباك للسفارة عشان تتابع اجراءات السفر..
 نرجس بتستعد للسفر بأنها تزور أصحابها وأمها عشان تستعيد الذكريات، زيارتها دي بتبين قد ايه هي هتفقتدهم جدا وان رغبتها في السفر تساوي صفر..
 الرحلة الجنونية اللي بتبدأ من ساعة ما نرجس بتصحى من النوم وتكتسف انها مش فاكرة هي حاطة جواز سفرها فين وتبدأ تدور عليه بهرجلة وتروح في الأماكن اللي هي راحتها امبارح عشان تدور عليه..
طبعا خلال الرحلة نرجس بتلتقي بالساحر اللي بيكون له دور كبير في التأثير عليها.. نرجس تعبت، وقابلت ناس كتير، وتعرضت لمواقف صعبة، في المشهد اللي نرجس بتروح فيه لمجموعة ناس بيكشفولها عن حظها او المستقبل بيقولولها فيه "مش مهم انتِ عايزة ايه، المهم انتِ محتاجة ايه النهاردة، هو دة المهم" "الساعة 6 هتتغير كل حياتك" "هتعملي حاجات عمرك ما عملتيها" "انتِ تعبانة حيرانة، بتدوري علي حاجة مهمة جدا ضايعة منك مش لاقياها، ومنتيش عارفة ان الأهم ضايع منك، وانتي ما بتحاوليش تدوي عليه من سنين، وانتي النهاردة هتلاقيها" نرجس افتكرت انهم بيتكلموا عن جواز السفر، بس اصلا لو بصينا هنلاقي ان جواز السفر لا يعني شيء لنرجس، مش بالأهمية اللي هي باذلة مجهود عشانه، هي بس خايفة من عيالها، خايفة انهم يلوموها، الأهم من جواز السفر هي رحلتها دي اللي هتلاقي فيها نفسها اللي هي فعلا مهمة بس هي مش واخدة بالها منها، وهتحدد من خلالها رغبتها وتكون في الأخر قادرة انها تاخد قرار قوي وتقول انها مش عايزة تسافر، قرار فعلا هي عايزاه، حاجة نابعة منها، مش عشان حد او عشان حد قالها كدة.. نرجس طول عمرها مكنتش قادرة تاخد قرار وعلى رأي مامتها "كان اللي يتقالها تقول عليه حاضر، عمرها ما قالت لا" في اخر اليوم لما معاد الطيارة مكنش فاضل عليه كتير لما نرجس راحت لبيت ابنها وسمعت بالصدفة مراته وهي بتزعق نرجس دي كانت نقطة النهاية بالنسبالها، راحت البيت وكان مش هاممها حاجة، وفجأة بتبص تحت رجليها لقت الجواز !! نرجس لقت الجواز لما كان خلاص مش هاممها اصلا انها تلاقيه ولا كانت خلاص عايزة تسافر.. الضحك والبكاء في المشهد دة هو لحظة الإنتصار، لحظة القوة، اللحظة اللي نرجس بتقرر فيها فعلا هي عايزة ايه ، والتعب دة كله والرحلة كان لها تأثير على نرجس وغير حاجة في شخصيتها..
نرجس من كلامها
"أنا مكنش عندي أحلام، أنا اتجوزت وخلفت، والراجل مات وقعدت أكبر في العيال، دانا ساعات كنت أسمعكوا تقولوا احنا سهرنا للصبح، ياما كان نفسي اعمل الحكاية دي اسهر للصبح، انما بصيت لقيت الوقت فات كدة ومسهرتش للصبح، ومبقاش فيه وقت لحاجة بقا"
باين انها انسانة كانت طول الوقت بتحاول ترضي اللي حواليها، بتحاول تخلي الحياة سهلة وتمشي، عمرها ما سهرت ولا عمر كان ليها احلام معينة عشان تحدد بيها حياتها ولا تعرقل بيها حياة اللي حواليها، كانت سهلة وبسيطة وسلسلة واتجوزت وربت العيال
فيه نقطة مهمة جدا، نرجس من بداية الفيلم و في خلال رحلتها لغاية أخر بتمربتغيير في نظري مهم جدا ! في اول الفيلم كانت رافضة تماما تنزل من غير باروكة، وفي نص الرحلة الصعبة المرهقة دي لما باروكتها اتبلت بسبب المطر قلعتها بس استبدليتها بإيشارب صغير وفي الأخر خالص قلعت الايشارب كمان ومشيت بشعرها الطبيعي، ومبقتش خايفة، انا دة من رأيي تغير مهم جدا بيبين تغير في شخصيتها او طريقة تفكيرها.. نرجس اصبحت اكثر بساطة يمكن؟؟ او مبقاش يهمها الناس بيشوفوها ازاي؟؟ مبقتش مرتبكة ومستعجلة وبتخبط في العربيات؟
نرجس انتقلت من مرحلة التزمت لمرحلة مرورا بمرحلة البهدلة وصوصلا للنهاية خالص لما هدأت وعرفت تاخد قرار ببساطة وتخلصت من الكلاكيع وسابت البيت ومشيت وقررت انها متسافرش رغم انها كانت عارفة ان عيالها كانوا هيجوا ياخدوها للمطار.
 الفيلم ممتع لأخر لحظة بتكتشف فيها ان نرجس مش هتسافر

انا في رأيي ان كل انسان محتاج رحلة زي بتاعة نرجس، رحلة مختلفة عن حياته العادية تقدر تكشفله هو ايه وعايز ايه ومين اللي حواليه
نرجس لقت الجواز وقررت انها متسافرش، رغم انها بقرارها عارفة انها هتعرقل امور ابنائها بس هي قررت انها تعيش في المكان اللي حباه مهما كانت الظروف
انا بحب داوود عبد السيد.. بحب عبقريته في اظهار الشخصيات بعيوبها ومميزتها
فاتن حمامة ويحيى الفخراني اتقنوا ادوارهم.
انا بحب الفيلم دة جدا بطريقة مميزة عن باقي الأفلام، الفيلم دة دائما ما يتركني في حالة من التفكير الغريب الذي يبقى في فكري لأيام عديدة

زينب

الخميس، 6 يونيو 2013

آمان آمان آمان

أتذكر في أخر مرة رأيته فيه كان يتألم بشدة، شيئا فيه كان يتقطع لم استطع تحديد ما هيه هذا الشيء وقتها ولكني ادركت بعد سنوات عديدة ما الذي اصابه وقتها

--------------------------------

في محاولة جاهدة لإعادة الذاكرة، كنت طفلة، أمسكت بدميتي وخرجت في تلك الساحة التي تعج بالناس والموسيقى خارج البيت، انطلقت بين الناس بملابس النوم، كنت أراهم طوال القامة وكبار جدا خصوصا عندما ينحني أحدهم كي يلقي التحية، أكملت المشي بدون هدف بين الناس لا ادري لماذا، شيئا ما كان يجذبني لأتوجه الى الحديقة الخلفية، تركت الموسيقى والناس خلفي وتوجهت

وجدته هناك يجلس على السور واضعا كوعه على ركبتيه وساندا رأسه على كفيه، وقفت هناك كان صوت الموسيقى خافت خلفنا

تشنجات، الام، دموع، وجسم ينهال منه العرق، نوبات من البكاء، نوبات.. انسان يولد أمامي من جديد، جو غريب من التطهر الروحي الذي لم أفهمه الا فيما بعد

وجدت ربطة عنقه ملقاة على وقميصه الأبيض يكاد العرق يتساقط منه، لف رأسه في حركة دائرية، دموعه مملأت وجهه، في هدوء غريب توقف فجأة وسط ذهولي وابتسم.. ابتسم بين الدموع والعرق وربطة العنق الملقاة على الأرض وقميصه الأبيض المبتل وطفلة ممسكة بدميتها تنظر إليه بذهول أمسك بيدي وقال: لا تتخلي عن احلامك، لا تفقديها مع زحمة تلك الحياة لم افهم وقتها اطلاقا ما علاقة احلامي

أختفى بعد ذلك ولم أراه مجددا، لاحقا، أدركت أنه وقتها كان يستعيد أحلامه، يتحرر من ماضيه وقلقه وزحمة الحياة وضغوطها، استعاد نفسه وروحه وطهره وطفولته وبرائته وصفائه وقوته، تخلص من ضعفه والناس وحررته الموسيقى من هذا كله ليرع كما كان انسان بدون مقاييس، بدون ربطان عنق ويترك خلفه فتاة تشهد مولد روحه الطاهرة

زينب محمد الحبيبي

الاثنين، 13 مايو 2013

وجه شوقية

اخفضت شوقية صوت المسجل بناءا على رغبات الجيران الذين لم يكفوا عن الإلحاح طيلة الوقت لتخفض الصوت قليلا كي يستطيعوا النوم.. اولئك القوم الذين لم يملوا من النوم طيلة حياتهم حتى أصبحت كروشهم تسبقهم امتارا الى الأمام دون أن يشعروا بها.. أغبياء.. نسوا قيمة الحياة، والرياضة والمشي وفقدوا متعة كل شيء حتى متعة الجنس الذي اصبح شيئا يحدث فقط بين المتزوجين كي ينجبوا اطفالا ويحدث بين غير المتزوجين سرا في بيار السلالم ليختلسوا المتعة اختلاسا فيختلسها منهم اهاليهم ويزوجوهم ويرغموهم على انجاب الاطفال لتتكرر الدائرة بشكل مقرف وتتحول متعتهم الى مشاهدة التلفاز وهم يرتدون الفانيلة الداخلية والكلوت –لا مؤاخذة-.

راحت شوقية تدندن مع أغنية كل دة كان ليه بعدما ارغمت على اخفاض الصوت وخرجت من الحمام بعدما ارغمت ايضا على اغلاق الماء بعدما سمعت اصواتهم تأتي من فوق: المية يا ست، المية يا شيخة اتقوا الله

فتحت شوقية دولاب الملابس واختارت دون تفكير بنطال جينز وقميص ذو اكمام قصيرة وسترة جلدية سوداء اللون واتجهت الى المرآة لتضع اللمسات الأخيرة، أحمر شفاة داكن، ونظرت الى المرآة لتظمئن على وجود السلسلة الذهبية التي ترتديها دائما وابتسمت وهي تربط شعرها الى الوراء كذيل حصان.

اخذت شوقية حقيبتها السوداء لتضع فيها السجائر ومفاتيح المنزل واوشكت على وضع هاتفها الا انه رن لتفتحه شوقية وتجد المكالمة التي لطالما انتظرتها، ردت بسرعة قبل أن يكمل الهاتف رنته الأولى: ايوة يا خالد ها بسرعة طمني ايه الأخبار؟

رد خالد بتردد: الهجرة متقابلتش يا شوقية، معلش مرة تانية بقا.

بدت شوقية محبطة جدا بعد أن حطت امالها كلها على تلك الهجرة التي ستخلصها من ذلك الحي الذي اصبح مجرد ذكر اسمه على مسامعها يصيبها بالغثيان، بدا صوتها حزينا جدا وردت على خالد: خلاص يا خالد شكرا يا حبيب قلبي، محدش قالك ايه سبب الرفض؟

خالد: سنك

شوقية: ماهي بلد بنت وسخة، هم عايزين مننا ايه؟

خالد: خلاص يا شوقية متضايقيش نفسك، رايحة في حتة النهاردة؟

شوقية: اه كنت خارجة دلوقتي.. رايحة عشان المظاهرة اياها اللي ماهر والباقية عاملينها.

خالد: خلاص ماشي خلوا بالكوا من نفسكوا.. سلام.

اغلقت شوقية الهاتف دون أن ترد بالسلام وتركت المنزل متجهة الى ميدان التحرير تاركة ورائها صوت عبد الوهاب يصدح في الأرجاء.

استقلت شوقية سيارة أجرة متجهة إلى ميدان التحرير وهي تفكر بحسرة في تلك الفرصة العظيمة التي كانت ستنتشلها من هذا العفن المحيط بها والتي ضاعت بسبب انها اتمت السابع والشعرين من عمرها في الشهر الماضي.

اتمت سرحانها عندما اوصلها السائق الى الميدان، دفعت له الأجرة وظلت في مكانها للحظات لتبحث بين الزحمة وهذا الكم الهائل من الناس على اصدقائها، ثم تقدمت بخطوة عندما وجدت عمر واحد من الشلة يكتب على قطعة قماش "شريعة لوطن عادل" وضعت يدها على كتفه لترتسم على وجهه ابتسامة جميلة تتوسط ذلك الكم الهائل من شعر ذقنه وشاربه، انطلق عمر يسلم على شوقية بحرارة ويضرب كفه بكفها ويسأل عن أحوالها

استرسلت شوقية: اومال فين الباقية؟

عمر: اهم متلقحين عندك كل واحد في حتة بيكتب لوحته

شوقية: انتوا جايبيني هنا عشان تكتبوا؟ انتوا متجمعين ليه اصلا؟

عمر: مطالب شعبية.

شوقية: كان غيرك اشطر يا ابو دقن، قال شريعة قال دول ولاد ستين كلب ولا يعرفوا مين اللي خالقهم.

اتجهت شوقية الى ماهر الذي كان منهمكا في كتابة شعارات على لوحته الورقية البيضاء ولم يلحظ وجودها الا عندما ازالت السماعة من احدى اذنيه وصرخت بسخرية: حرية مين يا سي ماهر؟ احا.. احا بالقوي يعني.. ابقى قابلني لو خدتها بلوحتك دي..

ضحك ماهر وازال السماعة الاخرى من الاذن الاخرى ولم يأبه لحديث شوقية عن الحرية.. هو اصلا لا يهتم لرأيها، سألها عن احوالها وعن الهجرة ثم غمس الفرشاة في الحبر الأسود واسترسل: ولا يهمك تيجي غيرها مضايقيش نفسك اصلا، اكتبلك حاجة حلوة على وشك عشان متزعليش؟

ابتسمت شوقية واومأت برأسها كدليل على الموافقة

وضع ماهر الفرشاة بجانب شفتاها وكتب "رقص" واتبعها " موسيقى".

ابتسمت شوقية واكملت مسيرتها في البحث عن الفرد الأخير المتبقى من الشلة ووجدته اخيرا بين مجموعة من البسطاء يقودهم ويفتح اعينهم على شيء يسمى المساواة والعدل والعيش، اقتربت شوقية من ابراهيم ذو الملابس المهلهلة والقميص الأبيض الذي اصبح رماديا من كثرة "الشقى".

توقف ابراهيم عن القاء الشعارات عندما رأى شوقية، تقدم نحوها والقى السلام، دون ان يسئل عن احوالها شهق بعصبية قاطعا كلامها: ايه اللي على وشك دة؟ رقص ومزيكا؟ مزيكا ايه في بلد الخرابة اقصد بلد الغلابة دي؟ واكيد اللي كتب كدة ماهر مش كدة؟ لم ينتظر حتى ان ترد على سؤاله بل سحب الفرشاة التي بجانبه وكتب على جبينها: ابنك يا قدس زي المسيح غريب وعلى خدها الايمن "مساواة".

ضحكت شوقية ولم تأبه لتصرفات ابراهيم وقالت: امتى المظاهرة دي هتبدأ هتاف؟

رد ابراهيم بانفعال: دلوقتي. امسك ابراهيم بكف شوقية وبالكف الاخر لوحته وانطلق لماهر ليغيظه بما قد كتبه على جبين شوقية..

مشيا معا جميعا إلى ان وصلا إلى عمر، عندما رأت شوقية عينا عمر انفجرت ضاحكة وقالت: عايز تكتب حاجة انت كمان؟

عمر: اه طبعا اشمعنى هم يعني، وامسك عمر بالفرشاة وكتب فوق كلمة رقص وموسيقى "قرآن"

بدا ابراهيم حازم عندما قال: مش هنبدأ هتاف ولا ايه؟

رد عمر بالايجاب بينما كان ماهر هائم مع الاغاني في عالم اخر في السماعات التي تعزله عن الحاضر.

تجاهل ابراهيم وعمر سلوك ماهر مما اعتادوا عليه كثيرا وبدأوا في التوجه الى المنصة كي يبدأوا الهتاف.

اوشكت شوقية على التراجع فأوقفها ابراهيم: مش جاية ولا ايه؟

شوقية: سيجارة وجاية هحصلكوا.

هز ابراهيم رأسه واتجه نحو المنصة وبدأ الناس جميعا في الاتجاه الى المنصة والتزاحم بينما حصلت شوقية على سيجارة وضعتها بين شفتيها بينما تبحث عن الولاعة في حقيبتها، بدأت شوقية تصاب بالانزعاج من تدافع الناس حولها، ودفعهم اياها لم يدعها تبحث عن الولاعة بتأن.

بينما الناس يتزاحمون شعرت شوقية بيد تدس بين ساقيها، للحظة لم تدرك ما الذي يحدث، نظرت حولها لترى من الذي مد يده، ولم ترى الا فوج من الناس يتزاحمون وراء بعضهم البعض، توقفت شوقية عن البحث عن الولاعة ووقفت في مكانها بلا حراك، صامتة، منذهلة، ومصدومة.

اسقطت شوقية حقيبتها واخذت منها الشال، لم تفق من سرحانها الا على صوت ابراهيم يناديها من بعيد بأن تأتي كي تأخذ مكانا بينهم قبل أن يمتلأ.

انطلقت شوقية بين افواج الناس باتجاه المنصة، امسك ابراهيم بالمايكروفون وقال هنبدأ الهتاف يا جماعة واسترسل عمر هاتفا بعد ان خطف المايكروفون من ابراهيم "الشريعة الشريعة فين الدين فين الدولة" واقبل الناس بترديد ما قاله عمر ثم اردف ابراهيم قائلا" عيش، مساواة، حقوق" واخيرا ماهر الذي هتف قائلا "حرية حرية" عندما انتهى الناس من ترديد اخر شيء قاله ماهر، رأى ماهر شوقية قادمة فأخبرها في المايكروفون: عايزة تقولي حاجة يا شوقية؟

الناس كانوا هادئين ينتظرون ما سيقوله الشخص المقبل حتى يقوموا بترديده، انتظر ماهر شوقية حتى تقترب اكثر من المنصة وهو يحمل لها المايكروفون.

اقتربت شوقية بخطوات بطيئة من المنصة أكثر ومازالت السيجارة بين شفتيها، وهي في طريقها خلعت السترة السوداء التي كانت ترتديها واقتربت أكثر وشقت طريقها بين الزحمة وهي تفك ربطة الشعر التي تحكم شعرها الى الوراء ورمتها على الارض بينما سقطت السيجارة الغير مشتعلة من بين شفتيها على الارض بجانب ربطة الشعر.
اكملت شوقية توجهها الى المنصة بخطوات ثابتة هذه المرة ثم خلعت قميصها ذو الاكمام القصيرة ورمته ورائها، ثم تبعته بالبنطال الجينز، اقتربت شوقية اكثر قليلا ليصبح بينها وبين المنصة الدَرَجُ الصغير، فأكملت خلع ملابسها، والقت بالملابس الداخلية على الارض ووضعت الشال فوق كتفيها لتغمض عينيها وتجثو على ساقيها ارضا.
في تلك اللحظة صمت الميدان، لم يُسمع منه غير تلك الأصوات، الشهقات التي تلعن هذا المنظر وتلك الفتاة.
كان ماهر مازال ممسكا بالمايكروفون منتظرا شوقية ان تنهض وتقول ما تريد، انتابت المنصة كلها حالة من السكون الغريب، سكون تشابه مع ذلك السكون الذي اغمضت فيه شوقية عيناها لتجثو على ساقيها وتستلقي وترجع بظهرها الى الوراء كأنها أخذت ضجيج العالم معها واستلقت تاركة ورائها أحمر شفاة داكن وسلسلة ذهبية، وشعر طويل يغطي نصف ظهرها العاري وأناس مكبلين بالصمت تأخذ مطالبهم مكاناً على 

 وجه شوقية 
زينب محمد الحبيبي.

السبت، 18 أغسطس 2012

كبرت

عندما كنت صغيرة كنت اخشى أن تموت أمي، لم يكن خوفاً عاديا ابداً كانت ومازالت هي اكبر مخاوفي، كنت دائما بعدما استيقظ من نومي اتجه مباشرة إلى غرفتها وانظر إليها من بعيد وهي نائمة لأتاكد أنها حية وإذا كان صدرها يتحرك أم لا واحيانا عندما كنت لا الاحظ حركة صدرها أضع يدي عليه لأرى هل يتحرك، هي حية ام لا، ومرة من المرات استيقطت أمي عندما وضعت يدي على صدرها، ارتبكت حينها، كنت لا اريدها ان تعلم السبب الأساسي لفعلي هذا.

استيقظت أمي ورأت يدي على صدرها وهمت وهي شبه قلقة لماذا انا مستيقظة في هذا الوقت: ماذا تريدين يا عزيزتي؟! 

قلت لها أريد أن أكل، أنا جائعة ..

أنا الآن كبرت، ومازالت تلك هي أكبر مخاوفي، أن افقد أمي، ولكني لم أعد أستطيع أن أمد يدي على صدر امي يمكنني ان أراقب تنفسها من بعيد فقط، لأنه أصبح بإستطاعتي أن اعد طعامي بنفسي إن كنت جائعة .. ليست هناك مبررات أخرى .. 

اتذكر ايضاً انني مرضت يوما كاملاً وارتفعت حرارتي وتقيأت كلما أكلت شيئاً أو شربت رشفة ماء، يومها شعرت بأنها اشد ما وصلت إليه من الإعياء والتعب ولكني كنت مخطئة، كنت لا أعلم شيئاً حينها ولا أعرف ما هو الألم، أما الآن فأنا أعرف تماما ماهو الألم ! الألم هو موعدي الشهري مع الدورة الشهرية كل فتاة تعلم تماما ماذا يعني هذا الألم، محت آلام الدورة كل الآم الطفولة واعياء الزكام وارتفاع الحرارة، من الممكن أن تكون الآم الولادة أصعب واقوى ولكن كل ما اشعر به بأن كل الألم مرتكز في الجزء السفلي من بطني، الالام كانها ضربات متتالية في كل جزء من رحمي ابت ان تكون في اي مكان اخر غير الرحم، هذا الجزء الذي اشعر انه هلك ليأتي من جديد الشهر المقبل، ليس هذا فقط انما يصاحبه الام ضهر وساقين لأستيقظ اليوم التالي بعد هذه المعركة واجد ان جسدي محطم تماما .. تماماً، ولا يجد ما يمكن أن يفعله غير النوم.

كبرت وادركت ان هناك الام كثير، الام تهلك حقاً وتشعرني بأنني كأنثى خلقت لتتعب.

كبرت وادرت أن ماتعلمناه في المدارس من خط النسخ اصبح لا يستمعل الان وقواعد الكتابة واصبح الرقعة والنسخ مختلطان ببعضهما البعض، كبرت ولم أعد اكتب نقطتي التاء كما يجب، اصبحت مجرد شرطة بدلاً من النقطتين.    

كبرت واكتشفت انهم لم يعلمونا شيئاً إطلاقاً، إنما نحن علمنا أنفسنا في الحياة.

كبرت واصبحت جزءاً من مشاكلنا العائلية وليس طفلة يجب إبعادها عن هذه الخلافات .. 

كبرت واصبح بيت أبي وأمي بكل صراحة مكان غير صالح للمعيشة بسبب الخلافات الأسرية .. 

كبرت ولم تصبح متعتي مع صديقتي هي ركوب الاراجيح، أصبحت أقضي أوقات فراغي في الحديث معها . 

كبرت ولم أعد أبكي عندما تفوتني صلاة، بل أصبحت اتساهل فيها واؤخرها وأحياناً أنام دون أن أصلي .. 

كبرت ولم أعد امتلك مثلاً أعلى ولم أعد أعرف ماذا أريد من الحياة

كبرت ونقمت على وكرهت وتبرأت من مجتمعي لأني فهمت مابداخله جيداً 

كبرت ولم أصبح راضية عن حالي، احببت التمثيل الذي لم أصل إليه يوماً وكرهت كل شيء لاني أخفقت في كل شيء.

كبرت واكتشفت أن أمي وأبي لا يعيشون قصة حب .. 

كبرت فجأة واكتشفت ان الأطفال يرونني كبيرة .. 

كبرت والاستغراق في النوم بسهولة دون التفكير في اي شي اصبح صعب 

كبرت واصبحت استيقظ من نومي مرهقة غير مرتاحة .. لا ادري لماذا 

كبرت ولم اعد اشاهد قناتي المفضلة .. سبيس تون 

لا يهم كل هذا، المهم انني كبرت وازداد خوفي .. خوفي من كل شيء.

كبرت ولاحظت اني كبرت، واني لا اريد أن اكبر.


 


السبت، 21 يوليو 2012

عندما قررت نجيبة الركض

كان ما يميز الدكتور يوسف عن الجميع صوته العالي أثناء التدريب وغضبه الشديد عندما يحدث من أحدهم خطأ أثناء تأدية الرقصة وتحكمه الزائد عن حده في الطلاب أما حقاً ما كان يتميز به الدكتور يوسف فهو مشاهدته لأثنين يرقصان معاُ على موسيقى يحبها حينها فقط يستمتع ويمعن في الرقصة، كان يمتلك شعراً غزيرا ابيض اللون،وسجائره التي لا تفارق يده أبدا ولطالما نصحة الجميع بالكف عن التدخين في صالات التدريب ولكنه يرفض ذلك بشدة ويقول في غضب: مقدرش اتفرج على اتنين بيرقصوا من غير ما اسمع موسيقى وبردو مقدرش اتفرج عليهم من غير سيجارة.
يبلغ الدكتور يوسف من العمر 50 سنة ولكنه لا يشعر بالعجز يعتقد دائماً أن الإنسان هو من يضع لنفسه عقبات ويشعر نفسه بالعجز.
أما عن نجيبة فكانت تكره اسمها جداً وتعتبره دقة قديمة قبل أن تلتقي بالدكتور يوسف نجيبة تبلغ من العمر 17 عاماً أحلامها رغم بسطاتها لكنها كبيرة في وجهة نظرها، لم تكن تتمنى أن تعيش قصة حب أو أن تتزوج مثل باقي الفتيات، كانت تكره هذا النوع من ليس لهن طموح، لذلك كانت تقدس أحلامها وتسعى إلى تحقيقها بشكل ملفت.
جلست نجيبة على الطاولة منتظرة الغداء وتفكر ايضاً كيف ستفاتح امها في الموضوع. سرحت وراح نظرها يثبت على صورة ابيها الموضوعة على الطاولة المجاورة، ما أوسمه ببدلة الحربية لو كان هناك شاباً مثله لتزوجته فوراً بدون تفكير فهو مميز، انهت سرحانها بالله يرحمه.
كان يجول نظرها في أركان المنزل فتارة على مفرش السفرة الذي تعشق ألوانه التي تشعرها بالدفء والإنتماء وتارة يذهب نظرها على جدار الغرفة البرتقالي الذي يتناسب مع لون الستائر والأرائك، تعشق نجيبة اختيار أمها لهذه الألوان الدافئة وكانت دائما تسعد عندما ترى منزلها مختلف عن منازل الأخرين ولا يتكرر إلا قليلاً، منزل شرقي جميع الوان غرفه أحمر أو برتقالي حتى الحمام كان لونه أصفر أما المطبخ فكان متعدد الألوان، رغم قدم المنزل إلا أنه مازال قوي جداً وغير قابل للسقوط.
قطع تفكيرها وتغزلها في منزلها صوت أمها وهي قادمة بالصحون: أكيد انتِ جعانة
نجيبة: جداً يا منال.
تحب نجيبة أن تنادي أمها بأسمها الحقيقي.
تعالي اقعدي يا ماما ونتكلم شوية واحنا بناكل، انتِ ليه سمتيني نجيبة؟
ضحكت منال ضحكة عالية وقالت: كنت عارفة انه مش هيعجبك لأن الزمن بيتغير وهو كان على ايامنا موضة
تعتقد منال أن الأسماء مثل الملابس تماماً لها أزمنة تلائمها وفترة وتنتهي موضتها.
نجيبة: ماشي يا منال طيب انتِ اللي اختارتي اسمي ولا بابا؟
ردت منالك بكل ثقة: طبعاً انا يابنتي !
ردت نجيبة بإستغراب وهي تضع ملعقة الشوربة إلى مكانها: طب وليه طبعاً؟!
شبكت منال اصابع يدها معاً وقالت: طبعاً يابنتي أبوكي كان انسان بمعنى الكلمة، كان دايماً بيقول ان انتِ اللي حتختاري اسماء ولادنا، ازاي انتي تتعبي 9 شهور في حملهم وولادتهم ورضاعتهم والإهتمام بيهم وانا أخد منك متعة تسمية الطفل اللي انتِ انتظرتيه اكتر مني الحكاية بالنسبة له كان كأنه بيجبلي حتة قماش هدية ويقولي فصليه فستان يعني كأنه معملش حاجة.
فكت منال تشابك اصابعها وعادت لتكمل طعامها.
نجيبة: طيب بصي يا ماما، عايزة ارقص .. تانغو، سالسا أو أي حاجة تانية المهم ارقص
منال: طيب ماترقصي في البيت !
نجيبة: بيت أيه يا ماما ! انا عايزة اتعلم
لم تلق نجيبة اي معارضة بعد ذلك فكانت منال أم مختلفة كل ماكانت تخشاه فقط هو نظرة المجتمع الذي تغيرت 180 درجة عما قبل، كانت منال تعرف نوعية هذه المجتمعات بالضبط وتدرك ماتحمله من شوائب داخلية ونظرات غبية لأي فتاة ليست مثلهم، وافقت بعد ان ادركت ان رغبة ابنتها اقوى من ان تكبتها خوفاً من نظرات الناس.
نجيبة: شكراً يا منال يا حبيبتي والله انتِ احلى ام في الدنيا.
ضحكت منال قائلة: ماشي يا بكاشة هاتي بوسة وشيلي الأطباق واغسليها وجيبلي السجاير وانتي جاية.
غسلت نجيبة الصحون واحضرت علبة السجائر والولاعة إلى منال، جلستا تشاهدان التلفاز فقالت منال: تحبي تروحي امتى؟
نجيبة: دلوقتي لو ينفع.
بالرغم من ان نجيبة تبلغ من العمر 17 عاماً إلا ان امها تركتها تذهب هذا اليوم لوحدها كي تتعلم أن تعتمد على نفسها، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تترك منال نجيبة تتصرف بدونها، ايضاً لم يكن صعب على نجيبة ان تتنقل فهي تقطن في كوبري القبة حيث تتواجد المواصلات معظم الوقت، ارتدت نجيبة تنورتها البنية المنقوشة، كانت تلك التنورة خفيفة جداً وشفافة لدرجة انها تظهر ماتحتها، كانت منقوشة بنقوش بيضاء شرقية تتكرر بين كل قطعة بنية، ارتدت ايضاً بلوزة وردية اللون ضيقة ولا تحتوي اي نقوش، خرجت وهي لا تحمل اي نوع من انواع الحقائب فهي تعتقد ان الحقائب ماهي الا مصيبة زائدة، اخترعت لتحملها اي فتاة وتحمل كل ماهو مصيبة زائدة في حياتها .. لا يهم المهم الان ان ترقص نجيبة فقط، استقلت سيارة اجرة متجهة الى مدرسة الرقص، اعتدات ان تنظر دائماً من نافذة السيارة وتستنشق الهواء وكان أكثر ما يسعدها هو لنظر إلى الناس وإلى أعينهم ومتابعة جيداً ما يفعلونه، وصلت سيارة الاجرة الى المكان المحدد، اعطته نجيبة النقود ودخلت إلى المبنى ودقات قلبها تتسارع قلقاً، لم ترى شيئاً بعد لكنه هذا الخوف المصاحب لأي شيء جديد، خوفها من الا تحرز تقدماً او الا تتعلم شيئا خلال هذه المدة، خافت أيضاً من الذين سيكونوا زملائها، كيف ستتعامل معهم وكيف سيرقصوا معها، لكن قاطعها صوت الرجل الذي يقف امامها: اهلا وسهلا يا افندم، انتِ جايبة اشتراك ولا حابة تستفسري عن حاجة؟
نجيبة: لا انا جاية اشترك
الرجل: طيب هسألك شوية اسئلة علشان اعرفك انتي هتروحي في انهي قسم وهتدربي مع مين
نجيبة: طيب اتفضل
الرجل: عندك كام سنة؟
نجيبة: 17
الرجل: رقصتي قبل كدة؟
نجيبة: برقص في البيت بس
الرجل: ايه نوع الرقص؟
نجيبة: شرقي، بلدي يعني
الرجل: معنى كدة انك هتكوني في قسم المبتدئين مع الأستاذ يوسف
بدت تقاطيع هذا الرجل بائسة عندما قال انها ستكون مع هذا المدعي يوسف
قطع الورقة وقال: خلي الورقة معاكي واديها لدكتور يوسف وانتي داخلة .. بالتوفيق.
لحظتها فقط تأكدت نجيبة ان هناك خطباً ما بهذا اليوسف
بلعت ريقها وازداد خوفها واتجهت إلى الصالة المكتوب رقمها في الورقة وهي تدعو الله أن يكون المدرب جيداً وأن تكون خاطئة بفكرتها عنه وتمنت ان تشعر بالراحة اثناء التدريب فهي تكره ان يكون شخص سخيف معلما اياً كانت مادته فما بالك بالرقص طرقت الباب ففتح لها شخص اول ما لفت انظارها فيه شعره الابيض، ابتسم لها ابتسامة خفيفة وقال في ذوق متناهي: اتفضلي أكيد انتِ طالبة جديدة
نجيبة: ايوة وابتسمت ودخلت الصالة واعطته الورقة قائلة: حضرتك الدكتور يوسف؟
الدكتور يوسف: ايوة انا بعينه
نظر الى الورقة وقال: اسمك نجيبة ! اسم جميل، حظك انك جاية في البريك لأن غالباً انا صعب في الشغل  ومبحبش حد يدخل عليا وانا في النص.
إلى حد الآن نجيبة مرضية جداً ولا ترى اي عيوب فيه ،بالعكس ترى انه لطيف وجاد في عمله، وهذاماتريده هي ..
نجيبة: هو احنا هنبدأ تدريب امتى؟
ضحك الدكتور يوسف ضحكة خفيفة وقال: ليه مستعجلة انتِ لازم الاول ترقصي قدامي اي حاجة تعرفيها عشان اشوفك محتاجة تدريب زيادة ولا هتدخلي معايا علطول في التدريب الرئيسي مكتوب هنا انك بتعرفي ترقصي شرقي، اتفضلي هنا ممكن ترقصي.
كانت صالة التدريب جميلة وواسعة جداً، الأرض خشبية وركن منها يحتوي على موكيت، كانت الغرفة مليئة بالمرايا ايضاً وبجانبها مشغل أغاني كبير وعدد كبير من الأشرطة والأسطوانات
قال الدكتور يوسف بجدية: : اتفضلي اختاري الموسيقى اللي انتِ عايزاها. استدار الدكتور يوسف واخذ سيجارة من علبته وجلس على كرسيه وقال لها: لما تختاري قوليلي
نجيبة: خلاص اخترت، اخترت احبيني بلا عقد
تعجب الدكتور يوسف من اختيارها النادر وقال: ابدأي واوشك ان يشعل سيجارته فقاطعته : انا مبعرفش ارقص الا والصوت عالي
ابتسم الدكتور يوسف: ولا انا بعرف اتفرج الا وانا بشرب سيجارة ومع ضغطة تشغيل الموسيقى سمعت نجيبة ضغطة الولاعة وهي تستدير استعداداً للرقصة.
استدارت نجيبة واعطت ظهرها للدكتور يوسف، رفعت يديها الاثنتين إلى الأعلى وبدأت أول حركة عندما قال كاظم احبيني بلا عقد وضيعي في خطوط يدي، أحبيني لأسبوع، فتحركت بساق واحدة إلى اليمين فاصبح وجهها إلى الأستاذ يوسف، كانت تتميز نجيبة بحركاتها المرتبة والهادئة كأنها ترقص كأيام ألف ليلة وليلة.
كما جذبت نجيبة انتباه الدكتور يوسف جذبت ايضا الجميع في الخارج بالأغنية التي اختارتها، كان صوت الساهر يصدح في الأرجاء، انتهت الاغنية وانتهت سيجارة الدكتور يوسف الذي ابتسم ابتسامة غريبة ليس لها ملامح، لا تدل على شيء، نظر إليها بإمعان وقال: هتكوني معايا في التدريب الرسمي ابتسمت نجيبة فرحاً وخجلاً وقالت بسعادة كتمها الخجل شكرا يا دكتور بكرة هكون موجودة في الميعاد وذهبت نجيبة ولكن سحرها لم يختف من روح الأستاذ العظيم يوسف، ذهبت نجيبة إلى البيت وهي تسمع موسيقى ياسر عبد الرحمن وتضع السماعات في اذنيها وتفكر كيف ستجري أيامها في هذه المدرسة، هي فقط تريد أن تدور بين يدي احدهم أو أن تتمايل على أنغام موسيقى ما أو ان تلتف وترقص وتعلو وتنخفض، هذا فقط ما تمنته في أيامها القادمة، أما بالنسبة لمنال عندما وصلت نجيبة إلى البيت استقبلتها امها بالأسئلة: عملتي ايه وامتى المعاد؟ كانت منال بنفس حماس نجيبة، كل ما كانت تتمناه الا تعيش ابنتها وهي راغبة في شيئاً ابداً.
ذهبت نجيبة إلى فراشها ولم تستطع ان تنام فوراً بسبب كثرة التفكير في كيف سيكون غداَ بعدها سرحت نجيبة كعادتها في غرفتها قبل ان تغفو، تعشق مصباح غرفتها الذي يتدل منه بعض الكريستالات الملونة، وفي دولابها البني الداكن كالشوكولا وأخيراً على أفضل ركن في غرفتها ، التسريحة، تفضل هذا الجزء من غرفتها،  فهو يحتوي على كل شيء هي تحبه من اكسسوارتها التي يغلب عليها الأحمر والاصفر والبرتقالي إلى الكحل وأحمر الشفاء الداكن الذي وعدت امها الا تضعة الا عندما تبلغ السن المناسب لوضعه، لذا تخرج دائما واضعة الكحل ولا شيء غيره، غداً سيكون يوم جميل ..
غداً الساعة العاشرة صباحاً استيقظت نجيبة لتجد امها نائمة، لم تفعل شيئاً غير انها قامت بالاستحمام وشرب المشروب المفضل عند معظم المصريين شاب باللبن، جلست نجيبة على احدى المخدات الموضوعة على الارض في الصالة وارتشفت بهدوء تام ثم ذهبت لتقبل امها وهي نائمة قائلة لها انها ستذهب إلى المدرسة.
قبل ان تنزل نجيبة التفتت إلى المكتبة المتواجدة في غرفة المعيشة، نظرت اليها فكرت للحظة ثم قررت انها سوف تختار كتاباً لتقرأه لتسلي نفسها اثناء طريقها إلى المدرسة واثناء وقت فراغها في المنزل، كان الوقت الأكثر متعة وحيرة بالنسبة لها هو ذلك الذي تقضية امام المكتبة، فالأختيار بالنسبة لها كان متعة من ضمن متع القراءة، خلعت حذائها البني واقتربت من المكتبة وقفت على كرسي صغير لتصل إلى المكتبة، أول كتاب سحبته نجيبة من بين الكتب كان بعنوان أحببتك أكثر مما ينبغي اعادته نجيبة إلى مكانه بلا تردد ليس لأنه سيء هي لم تقرأه بعد ولا تعرف ما هو محتواه، رغم ان العنوان جذاب لكنها ايضاً ترى عنوانه يدل على ان هذه الفتاة ضعيفة او أحبت رجلاً لم يقدر حبها، تكره نجيبة هذا النوع من الفتيات أو النساء، كان مجرد تخمين وتخيل لا اكثر، كان الكتاب الأخر الذي سحبته هو الأخوة الأعداء، حملته في يدها وسحبت الكتاب الذي يليه فوراً وكان بعنوان Hard times فأعادت الأخوة الأعداء، ونزلت من فوق الكرسي، سحبت نجيبة منديل وازالت حبات الغبار المتواجدة على الكتاب، نظرت إلى الساعة وارتدت حذائها فوراً، ونزلت مسرعة وهي تغني أعطني الناي وغني، لا تدري لماذا هي فرحة ربما لأنها ستبدأ كتاب جديد أو لأنها ذاهبة لترقص، ربما، ربما، كل شيء جائز، قفزت نجيبة آخر درجتين من السلم وهي لا تزال تغني مبتسمة وتسأل البواب عن حاله: هل تحممت بعطري وضحكت: ازيك يا عم سلطان، ثم ذهبت دون أن تنتظر إجابة منه ..
استقلت نجيبة سيارة أجرة وفي الطريق لم تبدأ بقراءة الكتاب، لم تكن ترغب في ذلك الآن، وضعت السماعات في اذنيها وفكرت لأول مرة أنها تريد حقيبة لوضع أشيائها فكل ما كانت تحملة نقود ومفاتيح المنزل ومشغل الأغاني أما الآن فهناك كتاب، فكرت أنها سوف تقول لأمها لتذهب معها وتختارحقيبة ملائمة فهي تثق دائماً في ذوق منال الا في اختيار الكتب فما رأته هذا الصباح في مكتبة المنزل جعلها تشعر أن ذوق امها في اختيار الكتب مختلف تماماً عنها، اي امرأة تلك التي تصل لمرحلة أن تحب شخصاً أكثر مما ينبغي .. غبية ! من تحب رجلاً وتعشقه إلى هذا الحد وهو لا يبادلها العشق بالمثل ..
راحت نجيبة في عالم آخر مع أغنية فيروز سلملي عليه وراحت تغني بصوت عالٍ مع السائق وعندما وصل توقفت عن الغناء واعطته النقود ونزلت باحثة عن السعادة في الرقص، كانت المدرسة تقع في وسط البلد، تمنت نجيبة أن تعيش في شارع كهذا تلمؤه الناس، ليس شارع جانبي يقتله الهدوء، دخلت نجيبة إلى صالة التدريب قبل بدء الدرس بربع ساعة استقبلها الدكتور يوسف قائلاً: اهلا، جاية قبل معادك بربع ساعة ايه عايزة حاجة ولا مستنية الدرس ؟
ابتسمت نجيبة: لا مستنية الدرس
ابتسم الدكتور يوسف بالمقابل: طب تحبي تشربي حاجة؟
نجيبة: لا شكراً فطرت في البيت.
وضعت نجيبة كتابها وباقي الأشياء على طاولة الدكتور يوسف وبدأت تستعد برفع شعرها إلى الأعلى وترتيب نفسها، نظر الدكتور يوسف إلى أشيائها التي وضعتها على المكتب ولمح رواية Hard times ثم نظر إليها وهي ترفع شعرها أمام المرآة، كان شعرها كحلي اللون مائل إلى الزرقة ويظهر اسود اللون في الظلام، ولأنها كانت تحت الضوء شاهده الدكتور يوسف على حقيقته، كان لون شعرها لا يجذب الكثير من الناس لكنه جذب الدكتور يوسف بشكل خيالي لأنه نادر سألها في دهشة: انتِ صابغة شعرك؟
قالت وهي تلتفت فجأة: انت لاحظت انه كحلي! غالباً مفيش حد بيلاحظه، هو طبيعي مش صبغة لا وابتسمت مستديرة إلى المرآة مجدداً. مرت ربع ساعة دون أن يشعر أحدهم بها، دخل الطلاب جميعاً، تحركت نجيبة إلى الركن قليلاً لكي تفسح مجالاً للقادمين، وقف الأستاذ يوسف واستعد لإستقبال القادمين
الدكتور يوسف: خلاص هدوء من ساعة ما ندخل هنا ياريت الكل يهدى عشان نسمع بعض، صمت الطلاب ونظروا إلى الدكتور يوسف.
الدكتور يوسف بصوت عالٍ: أحب أرحب بالجدد وأقولهم مفيش حاجة فاتتكم هو اول اسبوع دايما بيبقى كله تمارين متشابهة، شايف وجوه جديدة هنا.
لم يجد الدكتور يوسف غضاضة في الإشارة إلى القادمين الجدد، اطفأ سيجارته وهو يشير قائلاً بصوت عالٍ: انتِ وانتَ وانتَ وانتِ واشار اخيراً إلى نجيبة وانتِ تسمحوا تعرفوا نفسكوا لزميالكم، اتفضلي يا نجيبة ابدائي.
شعرت نجيبة بالحرج بعدما حطت انظار الجميع عليها وابتسمت ابتسامة عريضة اوحيت للدكتور يوسف بأنها ليست محرجة اطلاقاً كأنها تقول له أتحداك انك قدرت على احراجي بالإشارة الي باصبعك الذي ملئته رائحة السجائر..
ابتسمت نجيبة قائلة: اسمي نجيبة عندي 17 سنة وبرقص شرقي بس عمري ما رقصت في مدرسة او على ايد مدرب كله في البيت، ابتسم لها الجميع وانهالت عليها اسئلة منهم يطالبونها فيها بأن ترقص
طيب انتِ مين شجعك ممكن نشوف حتة كدة طيب ؟
قال الدكتور يوسف: هدوء يا جماعة بعد ما نخلص تعارف كل واحد هيرقص اللي بيعرفه كنوع تاني من التعارف.
كان يتواجد ما يقرب من عشرين طالب، بعدما عرف الدكتور يوسف ببعضهما البعض قال: دلوقتي كل واحد يقدملنا رقصة هو بيتقنها كويس وبعدها هتسحبوا ورق هتشوفوا مين هيكونوا شركائكم، تحبوا مين يبدأ بالرقص.
كانت نجيبة هي الوحيدة بينهم التي تتقن الرقص الشرقي لذلك انهالت عليها الطلبات والرجاء من جميع الطلاب بأن تبدأ هي.
قالت نجيبة بابتسامة خجولة وصوت عالٍ: طيب طيب.
وذهبت بإتجاه مشغل الأغاني واختارت نفس الأغنية أحبيني بلا عقد لكاظم الساهر تنهدت نجيبة وبدأت في الرقص عليها مع كل كلمة أحبيني ومع كل مد صوت من كاظم الساهر يتمايل خصرها كله بجاذبية لا تشعر هي بها ولا تتعمدها، أكملت نجيبة ،أحبيني لأسبوع، لأيام، لساعات، وتدور دوران كامل مع كل آه من الساهر، تعالي واسقطي مطراً على عطشي وصحرائي وذوبي في فمي كالشمع وانعجني بأجزائي، سقطت نجيبة كالمطر على ركبتيها ثم ارتفعت ورفعت خصرها إلى الأعلى ودارت لتذوب كالشمع إلى الوراء بكامل جسدها بجانب الدكتور يوسف فارتفعت مرة أخرى لتدور في جميع أنحاء الغرفة برشاقة بخطوات متباعدة عن بعضها البعض.
توقفت نجيبة فجأة عن الدوران ليتوقف نظر الجميع مثبتاً عليها، فعلت فجأة بخصرها على أحبيني بطهري وأخطائي وكما فعلت في الرقصة الاولى لم تحرك نجيبة نهديها ابداً في الرقص ولم تفكر بفعل هذا.
وضعت نجيبة يدها اليمنى على كتفها الأيسر ويدها اليسرى على كتفها الايمن لتكمل المقطع أنا رجل بلا قدر فكوني انتِ لي قدري وتهز رأسها يميناً وشمالاً وضهرها مستلقي إلى الخلف فينفرد فجأة شعرها الكحلي وتسقط ربطة الشعر أرضاً، وتسقط أنظارهم متسلسة على شعرها، فردت نجيبة يداها مجدداً وهي تدور في مكانها فقط ويداها الأثنتان ممدودتان بجانبها وعلى أطراف اصابعها تتوقف، وماهو الرقص الشرقي الا توقف ودوران، توقف شعرها عندما توقفت عن الدوران ونزلت خصلة فجأة على وجهها تجذب الجميع بنظرات خاطفة، اثناء توقفها ، حيت استعدت لإتمام حركة جديدة بين صراخ الجميع ونظراتهم لمحت نجيبة نظرات غريبة من الدكتور يوسف لا تفسر شيء، اعجاب مع تساءل هذا ما شعرت به هي
اما عن الدكتور يوسف فكانت تجتاحه أحاسيس الغرام بالرقصة بهذا الجسد المتمايل والخصر الخرافي وذوبان لم يشعر به من قبل كل هذه الأحاسيس اجتمعت ولم تستطع إلا بأن تظهر على هيئة ابتسامة لا تُبرر، كان الدكتور يوسف لأول مرة في حياته يشعر بالغرام اللامتناهي، برقصة لم يعرف صاحبتها بعد.
تمايلت نجيبة بعد التوقف منتظرة ان يأتي مقطعها المفضل من الاغنية.
كوني البحر والميناء، كوني الأرض والمنفى، كوني الصحو والأعصار، كوني اللين والعنف، على اطراف اصابعها وقفت ومع كل كلمة ونقيضها تحرك نجيبة خصرها في اتجاه وعكسه ببطء مع تعابير الوجة التي تظهر ماهو المعنى الحقيقي للبحر الذي يمتد مثل جسدها او اللين الذي يتكور مثله والعنف الذي ترفض فيه كل شيء فتثور وتدور يداها ممدودتان بعد أن نزلت من على اطراف أصابع قدميها وتبدأ بتحريك معدتها وتدور بين الطلاب في الصالة.
وتبتعد عنهم حين يقول بعيداً عن مدينتا التي شبعت من الموت، وتدور وتدور وتدور إلى أن توقفت وركعت على ركبتيها.
وتنهض هي من هنا وتعلو أصوات التصفيق والصفير من هناك، ضحكت نجيبة لردة الفعل التي لم تشهد مثلها من قبل، ضحكت بصوت عالٍ وشكرتهم وهي تحاول ان تلملم شعرها الذي فرد اثناء الرقص، ابتسمت ونظرت للدكتور يوسف بخجل.
الدكتور يوسف: خلاص ايه المهرجان دة
رد هشام وهو من الطلاب الجالسين: اصل يا دكتور رقصها عبقري
رد الدكتور يوسف بضحكة ثم أكمل هشام: لا بجد احيكي يا نجيبة مفيش حد فينا بيعرف يعمل كدة، انا كمان هرقص رقص محدش هنا بيعرف يعمل زيه
تعالت اصوات الاعتراض على كلامه من زملائه قائلة بانه كاذب
اثبت لهشام للجميع هذا اليوم أنه يستطيع الرقص بجدارة لكن نجيبة لم تعجب به جداً تعتبره رقص نسائي قليلاً كأنه تعبير عن المشاعر ليس إلا..
عندما انتهى هشام من رقصته صفق له الجميع بما فيهم نجيبة.
غادر الجميع وارتدت نجيبة حذائها وكانت على وشك الذهاب، اخذت كتابها وبقية الأشياء، عندما رئاها الدكتور يوسف نادائها قائلاً: وراكي حاجة او معاد؟
نجيبة: لا
الدكتور يوسف: طيب اقعدي شوية، عايز اكلمك، تشربي ايه بقا بعد المجهود دة؟
نجيبة: ممكن قهوة
الدكتور يوسف: شفت معاكي كتاب Hard Times انتِ بتقرأيه و الا هتديه لحد؟
نجيبة: لا ده ليا .. بس لسة مبدأتش فيه .. إخترته النهاردة الصبح قبل ما أنزل علشان أتسلى فيه و أنا جاية في التاكسي .. الوقت بيبقى ممل جداً
الدكتور يوسف: إتفضلي القهوة .. انتِ بتيجي وحدك في تاكسي؟
نجيبة: إيه المشكلة !
الدكتور يوسف: أنا بالنسبة ليا مفيش مشكلة .. بس المجتمع بيخاف على المراهقين إللي زيك
نجيبة: طب ما يخاف هو يقربلي إيه ! .. و بعدين انا ماشية في اماكن فيها ناس ، أخاف من إيه؟
دار بينهم حوار لا يقل عن5 دقائق استطاعت فيه نجيبان تنتهي من شرب القهوة 
الدكتور يوسف: أتمنى ما تتخلصيش من الشجاعة دي .. و فرصة سعيدة.
مد الدكتور يوسف يده إلى نجيبة كي يودعها فمدت إليه يدها بالمثل و قالت: " فرصة سعيدة " و ابتسمت و ذهبت لتستقل سيارة أجرة و تبدأ الرحلة المملة.
عندما وصلت المنزل وجدت أمها مستيقظة .. قبلتها و دخلت الغرفة لتبدل ملابسها
- " ماما .. محتاجة شنطة تليق مع كل هدومي .. يكون فيها ألوان كثير بحيث لو لبستها مع حاجة تليق مع كله .. أنا جعانة ، تيجي ناكل برة و نروح نشتري الشنطة؟ "
لم تكمل نجيبة تبديل ملابسها و خرجت لتجلس مع أمها .. إبتسمت لها منال و قالت:
- أول مرة تكوني عايزة شنطة .. إنتِ بتحبي يا بت من ورايا و الا ايه ؟
- و أنا هخبي ليه لو كان فيه حاجة !.. أنا عايزاها أشيل فيها الكتاب و حاجتي
خرجت نجيبة مع أمها و إشترت حقيبة عليها خطوط ، كل خط يحمل لوناً مختلفاً ، كبيرة الحجم لينة القوام بدون " سوستة " .. يدها طويلة
و قد إختارتها نجيبة على هذا النحو لأنها تكره منظر الفتيات اللاتي يحملن حقائب لا تتعدى صدرهن حتى.
كانت نجيبة تشعر بالفرح حيال الشنطة الجديدة .. طعم مختلف .. تتوق أن تضع فيها أشيائها و ترى كيف سيكون شكلها بعدها ..
عندما عادت إلى المنزل، وضعت نجيبة اشيائها هذه الليلة استعداداً لغداً، عندما دخلت نجيبة غرفتها ونظرت الى احمر الشفاة وفكرت الى متى سأظل انتظر ان يأتي الوقت المناسب لوضعه .. فكرت وقررت انها ستضعه هو مثل اي احمر شفاة .. يمكن ان يتقبله البعض وممكن لا وهناك من سيستنكر وضعها للون كهذا يجعلها اكبر من عمرها، وضعت أحمر الشفاة الذي قررت استعماله خوفاً عليه من الجفاف مع مرور الزمن، وضعت ايضاً المفاتيح والكتاب والنقود ومشغل الأغاني واستعدت إلى الخلود للنوم،فكرت نجيبة في قرأة بعض صفحات من الكتاب قبل ان تنام، وفعلاً، نهضت من الفراش مجدداً وأخذت الكتاب من الحقيبة واستلقت على السرير وبدأت تقرأ في الصفحات الأولى، احست نجيبة بالقمع والكتمان لما تحمله هذه المدينة من آسى ووحشة وسواد كل ما كان يشعرها ببصيص من التفاؤل هي تلك الفتاة الصغيرة التي تضفي جمالاً وتفاؤلاً إلى من يقرأ القصة بين كل هذا السواد القاتل لجميع أفراد القصة، اكتفت نجيبة بهذا القدر اليوم واطفأت الضوء ونامت، غداً عندما استيقت نجيبة متأخرة لا تدري ما الذي جعلها تغفو بصمت إلى هذا الحد، نهضت بسرعة ووضعت الكتاب في الحقيبة بعدما كان على الطاولة المجاورة، وضعت لاول مرة احمر الشفاة الداكن ورتبت شعرها ونزلت ومسرعة، وصلت إلى المدرسة ولم تقرأ شيئاً من الرواية في الطريق كنوع من الممارسات التي تفعلها دون قصد عندما تكون متأخرة، لا تفعل شيء سوى انها تلح على السائق طيلة الوقت بأن يسرع، وصلت نجيبة في الوقت المناسب تماماً ودخلت مسرعة إلى المدرسة لم يكن يتبقى سوى دقيقة واحدة على بدء الدرس، دخلت كعادتها  ورأت الدكتور يوسف كعادته يدخن سيجارة لكن هذه المرة كان يقرا كتاباً بالإضافة إلى السيجارة ولم ينتبه إليها عندما دخلت، نظرت لنفسها في المرآة وابتسمت عندما ادركت انها تضع الروج الأحمر، الذي نسيت أنها تضعه مع زحمة الطريق وانشغالها بألا تتأخر، تاكددت من مظهرها ووضعت حقيبتها بجانب طاولة الدكتور يوسف، دخل الطلاب وانتبه الدكتور يوسف، اغلق كتابه وانتبه للحقيبة الموضوعة بجانبه، لم يرى مثل هذه الحقيبة هنا من قبل في الصالة تسأل في نفسه إلى من تعود، عندما وقف ليستقبل طلابه لمح في الحقيبة كتاب Hard times وبجانبه اشياء اخرى، عرف ان هذه الشنطة تنتمي لنجيبة، نظر إلى صاحبة الحقيبة وقد لاحظ الروج الاحمر وابتسم قائلاً: اهلاً وسهلاً، اتفضلوا وتقدم نحوهم: امبارح مجتلناش الفرصة اننا نعرف مين شراكئنا، هوزع عليكم علبة فيها ورق مكتوب فيه اسامي جزء من الفصل، ياريت عشرة يقفوا هنا ويسحبوا الاوراق.
تناولت جميع الأيدي العلبة وسحبوا جميعهم الأوراق وفتحوها. وقف الدكتور يوسف بعيداً ينتظر هذه النظرة التي تكشف عما يكنه الطلاب لبعضهم البعض، لحظة فتح الاوراق.
عندما فتحوا الأوراق لم يكن أياً منهم قد بدت عليه أي تعابير، الا نجيبة! اصابها الفزع عندما رات ان شريكها سيكون هشام، الشاب الذي لم تسترجله لأول مرة رأته يرقص فيها.
اندهش جداً الدكتور يوسف من تعابير نجيبة، لم ينشغل بالأمر كثيراً، فربما كانت تود ان تكون مع أحد غيره، ابتسمت نجيبة لهشام من بعيد ثم التفتت لدكتور يوسف عندما قال: انتوا دلوقتي كلكوا عرفتوا مين شركائكم، ممكن اللي معاه تيلفون يقفله، واتفضلوا اقفوا جنب بعض، أول اسبوع هيكون تمارين للعضلات عموما عشان بعد كدة التدريب يكون سهل.. دايماً لما بنيجي نتعلم تمثيل بنتعلم ازاي نعمل تواصل عينين، عشان نشوف اللي قدامنا عايز ايه ونحس باللي بيحس بيه في عينيه، يعمل فعل، نعمل ردة فعل مناسبة لها، حسوا باللي جوا عين اللي قدامكوا، حس بحاجة هو حاسس بيها نحيتك، كل دة من عينيه، اول تمرين هيكون عبارة عن انك تبص لعين اللي قدامك بس.
نظر الجميع فعلاً إلى اعين بعضهم البعض، صرخ هشام ضاحكاً: اعذرني يا دكتور يوسف بس احنا مش واقفين بنمثل على خشبة مسرح، لازم نتدرب ازاي نبص في عين بعض عشان نتعود على بعض ولا عشان منحسش بتوتر، احنا عايزين نتحرك ونتعلم
الدكتور يوسف: لولا ان موضوعك مهم مكنتش هسمحلك تتكلم في الصالة في وقتي، شوف يا ابني، هي هي يا هشام، انت ازاي هترقص مع حد وانت مش متعود عليه، او مش مطمن معاه، زي ما واحدة تتجوز واحد مبتحبوش
هشام: اوك يا دكتور
الدكتور يوسف: اصلا التمرين دة انتهى خلاص ياريت ترجعوا امكانكم وكل واحد يقف مع شريكه
راح الدكتور يوسف يجلس على كرسيه واخذ سيجارة والولاعة واشعلها ثم قال وهو يرجع إلى الوراء ليسند ظهره: كل ولد وبنت وشهم في وش بعض كانهم هيبدئوا رقص عادي، الولاد يحطوا ايديهم على وسط البنات ويمسكوهم كويس، اما البنات يميلوا بضهرهم كله لورا ويرفعوا الرجل اليمين والركبة متنية على وسط الشريك، واديها مفرودة لورا
اخرج الدكتور يوسف الدخان من انفه ثم صرخ فجاة: انتِ يا بنتي، ايه اللي بتهببيه دة؟ انتِ حاسة بجسمك ولا لا؟ انتِ حابة اللي بتعمليه؟ افردي ضهرك ريحيه متتوتريش، وانت مالك كدة كأنك ماسك حتة لحمة مش حاس بيها ليه، مش حاسس انك بترقص ليه، الجميع في هذه اللحظة صمت، رأوا وجها آخر من الدكتور يوسف الهاديء طوال الوقت، ايضا كانت نجيبة مصدومة، حينها فقط أدركوا جميعهم ما يعنيه الدكتور يوسف عندما قال أن عمله شيء آخر وانه ليس متساهل فيه.
لم يجرؤا احد على الرد ولا حتى هشام لتهدئة الموقف، عاد الدكتور يوسف إلى مكانه ليكمل السيجارة التي قاربت على الإنتهاء، اتجه إلى مشغل الأغاني، وقف هناك وقال: دلوقتي هنعيد تاني، البنات هيكونوا واقفين عادي وفجأة هتحط رجليها اليمين على وسط شريكها وايديها الاتنين لورا مع ضهرها، وطبعا انت مش هتمسكها من وسطها بس، هتحس بيها، هتحس انت مش مجرد شريط بيمسك راقصة باليه على مسرح، انت بشر بيرقص، يلا 1 2 3 وبدأ الدكتور يوسف الموسيقى وبدأ جميع الشباب في امساك الفتيات من خصرهن ومالت جميع الفتيات إلى الوراء مع ايديهن، وسيقاهن على اخصار الشركاء.
قال الدكتور يوسف بصوت عالٍ يغطي الموسيقى: تاني تاني، كمان مرة.
لم تجد نجيبة صعوبة ولا سخافة في ذلك، كان الرجوع إلى الخلف بمثابة أن ترمي بنفسك خارج هذا المجتمع القميء الذي لم يكف عن النظر إلى جسدها، فالرجوع إلى الخلف بالنسبة لها كالتحرر منه والتخلص منه و افلات يديها منه أو ان تتخلص من مجتمع هارد تايمز المتخلف، كانت نجيبة تشعر بالامان وهشام ممسك بها لا تدري لماذا لكنها كانت نرجع إلى الخلف بأمان.
عندما أنهت نجيبة يومها وودعت هشام كان جو الصالة ليس مشجع اطلاقاً على أن تنظر إلى الدكتور يوسف، اتجهت إلى حقيبتها دون محاولة النظر إليه ، تتسأل لماذا هو في هذا المزاج اليوم؟ لماذا يتعامل معهم كذلك؟ ربطت نجيبة شعرها وارتدت حذائها وذهبت، قرأت جزءاً من الرواية اثناء ايابها إلى المنزل وعندما وصلت، دخلت إلى فراشها ونامت ولم تشعر بنفسها وهي تغفو وبين يديها الكتاب، ظلت نجيبة على هذا الحال اسابيع وكل يوم يثبت لها هشام انها كانت مخطئة تماماً في حكمها عليه، اسعد ايام نجيبة ها هي تعيشها الآن، السعادة التي لاطالما حلمت بأن تشعر بها، ان تدور ثم تستقر بين يدي احدهم، كان هشام راقص جيد على عكس ما تخيلته نجيبة، الدكتور يوسف هو الذي لا يرى أحدا مميزاً، دائماً ما يكون بين طلابه مدرباً فقط لا يعطي رأيه في احد ولا يقيم أحد، فقط يعلمهم.
بعد مرور شهر على انتهاء نجيبة من الرواية قررت ان تختار واحدة اخرى لكن ليس الآن فهي تريد التركيز في الرقص فقط، استيقظت هذا الصباح برغبتها دون منبه، لتجد الوقت مبكراً جداً على موعد المدرسة، استغلت نجيبة هذا الوقت في الإستحمام و استخدمت الصابون المفضل لديها وبعدها خرجت واغلقت باب غرفتها وجلست تضع طلاء الأظافر الأحمرالداكن وهي تغني مع الاغاني التي تصدح في اركان غرفتها، بعدها وقفت أمام خزانة الملابس، لم تحتر هذه المرة في اختيار ما سوف ترتديه، هي فقط اختارت أجمل ما تمتلك، فستان احمر جميل، مصنوع من الكتان والحرير يلبس في الصباح، طويل الأكمام، طويل إلى اطراف اصابع القدم، سادة لا يحمل اي نقوش، كان الفستان محتشم جداً يقطتع حشمته فتحة ظهره التي تصل إلى منتصف الظهر، وضعت نجيبة الروج الأحمر القاتم، ولم تربط شعرها هذا اليوم، تركته يسقط ويتحرر من رباطه طيلة هذا الشهر، شعرت بالتميز اليوم، ابتسمت لأنها رأت نفسها في المرآة قالت بصوت خافت وهي تنظر بفرح إلى احمر الشفاة: شكلي كويس
اطفائت نجيبة اضواء غرفتها ومشيت فرحة بمنظرها اليوم، تشعر بنشاط ، ذهبت حتى دون ان تشرب الشاي باللبن كالعادة، عندما وصلت ودخلت إلى الصالة مبتسمة وجدت الجميع مجتمع على غير العادة، دخلت وعلى وجهها ابتسامة تظهر اسنانها الجميلة، عندما دخلت نجيبة أول من رأته هشام، ابتسم لها وقال: حلو النيو لوك دة
نجيبة: هو مش نيو لوك هو شوية اهتمام انا لقيت نفسي فاضية حبيت اضيع وقتي، انهت نجيبة كلامها مع هشام بابتسامة وشكرته على ذوقه فالتفتت لترى الدكتور يوسف صامت وعابس كالعادة، نظر لها نظرة صامتة لا تعبر عن شيء وادار وجهة مجدداً، لم تأبه نجيبة له فهي تعرف هذ النوع من الرجال جيداً، من يدعي أن عمله هو أهم ما يملك وهو اصلا لا يحب طلابه، بدأ الدرس واشعل الدكتور يوسف سيجارته كالعادة ورح يشغل الموسيقى وقال وهو في الطريق: النهاردة الدرس هيكون تطبيق على الجزء اللي فات عشان نقدر نكمل الجزء التاني هنستعمل كل الحركات اللي اتعلموتها وهتعملوها بحيث انها تكون رقصة مش شرط تكون رقصة كاملة بس المهم تكون متناغمة
اختار الدكتور يوسف اغنية قلبي لفريق soap kills، كانت ملائمة تماماً لمزاج نجيبة كأنه يختار عنها، قال الدكتور يوسف وهو عائد إلى كرسيه يلا ابدأوا، جلس ليشاهد، ابتدت الموسيقى وكانت نجيبة متفاعلة جداً معها، لم تكن تعرف حتى الآن كم يبلغ هشام من العمر، يبلغ هشام من العمر 23 سنة اي انه يكبرها ب5 اعوام تقريباً ، ابتدت نجيبة على انغام الموسيقى بإرجاع يداها إلى الخلف وخطوة تليها خطوة لتقترب فجاة من هشام ثم تقفز عليه لتكون الحركة التي تعلمتها اول مرة، هذه هي السعادة التي تمنتها ايضاً، ضحكاتها تملؤ المكان، وتملؤ قلبها اولاً.
اما عن الدكتور يوسف فكان كل ما يفعله اثناء رقص الجميع هو الجلوس على كرسيه وتدخين السيجارة والنظر إلى نجيبة دون توقف. نظر إلى أحمر شفاها وضحكاتها وميلانها وقفزاتها التي تؤدي إلى رجوع شعرها الكحلي إلى الخلف، عندما انتهوا جميعاً من الرقص قال الدكتور يوسف: تقدروا تروحوا النهاردة بدري، احنا خلصنا خلاص، واطفأ سيجارته وذهب هو ايضاً تعجبت نجيبة من سلوكه لماذا هو كئيب وعابس ولا ينطق ابداً بكلمة منذ ان بدأت الدروس!
عادت نجيبة إلى المنزل سعيدة للغاية، وهي تفكر أن الرقص فعلا يعيد للروح جمالها ، وجدت منال مستلقية على الأريكة أمام التلفاز تدخن كالعادة، ابتسمت لها وكادت تدخل غرفتها فنادتها منال بعد أن لاحظت الفستان الأحمر والروج الاحمر والشعر المصفف بطريقة جيدة، تعالي هنا يا بت، انا مش مطمنة انتِ بتحبي ومخبية على منال يا هبلة !
ردت نجيبة بضحكة ساخرة: احب ايه يا ماما انا لو كنت بحب حد الايام دي فعلاً فهيكون هو الرقص، ولو كنتوا شايفني حلوة الأيام دي ومهتمة بنفسي، فا دة لأن في حاجة مخلياني سعيدة وعايزة ابقى جميلة ليها.
لم ترد منال ودخلت نحيبة غرفتها وفي نفس اليوم نامت سعيدة رغم دكتور يوسف، رغم كلام امها وهشام الذين بينوا لها أنها لم تكن جميلة في وجهة نظرهم من قبل.
استيقظت نجيبة على ضوء الشمس وهو على عينها، انتفضت من فراشها مفزوعة ونظرت إلى الساعة لتجد نفسها متاخرة جداً، لم يتبق سوى نصف ساعة على بدء الدرس، رغم ضيق الوقت إلا أن نجيبة أصرت على ان تذهب بنفس تألقها امس كي تشعر بالحيوية، ارتدت الفستان ووضعت احمر الشفاة وصففت شعرها بسرعة ووقفت عند باب المنزل للحظة ثم شعرت بأنها إذا استقلت سيارة اجرة سوف تتأخر، فكرت للحظة ثم دون تردد تركت حقيبتها في المنزل بكل ما فيها وخلعت حذائه وبدأت في الركض مسرعة وهي تحمل حذائها في يدها وبيدها الأخرى طرف فستانها ، نعم المسافة ليست طويلة لكن زحمة الناس ونظراتهم لها كأنهم ينعتونها بالمجنونة تجعل المسافة اميال وأميال وليست نصف ساعة ركض من البيت إلى المدرسة، أثناء الركض شعرت بكل شيء، فكرت في كل شيء، وخافت من كل شيء، ركضت واكتشفت ان الركض لا يقل متعة عن الرقص، كل مافي الأمر أن الرقص ينسيها كل شيء، فقط تسمع الموسيقى وتبقى هي بلا وعي تحرك جسمها عليها، اما الركض تشعر فيه بكل شيء، شعرت بنظرات الناس، فكرت في مستقبلها، خافت من ان تتأخر، خافت من الدكتور يوسف، آه صحيح الدكتور يوسف، ركضت نجيبة خوفاَ وقلقاَ، ركضت ولم تفكر في اي شي، ظلت تركض أسرع، كل ما كانت تسمعه نجيبة حينها هو صوت شعرها والهواء يدخل بينه، شعت بأن قدميها العاريتين بدئا بالسخونة وشعرت بالغبار يدخل بين اصابعها ولكن هذا لا يهم الان المهم ان تصل ولا تلقى عتابا من الدكتور يوسف، ركضت بين الناس، تصتدم في هذا وذاك ولا تلتفت إليهم لتعتذر فقط تركض، بأقصى سرعة يمكنها ان تركض بها، إلى ان وصلت إلى المدرسة متأخرة عشرة دقائق، دخلت بسرعة إلى المدرسة، كانت ستدخل الصالة لكنها خافت، هدأت نجيبة انفاسها المتسارعة، وفتحت الباب، كادت ان تدخل الا ان الدكتور يوسف صاح بجنون غاضباً عندما رأها: تاخير 10 دقايق كاملة؟ برة، ! برة! رأت نجيبة الدكتور يوسف غاضباً من قبل ولكنها أول مرة تراه في هذه الحالة الجنونية ، لم تنطق نجيبة بكلمة، اغلقت الباب بصمت رهيب .. وجلست على الأرض بجانب الصالة من الخارج، جلست ووضعت حذائها بجانبها، وكلماته تتردد برأسها.
بالنسبة للدكتور يوسف داخل الغرفة عندما أغلقت نجيبة الباب قال: النهاردة انتهى الدرس ياريت تروحوا بيوتكوا..
اثناء ما كانت نجيبة جالسة في الخارج قطع صمتها فوج من زملائها الذين خرجوا من الصالة بناءاً على طلب الدكتور يوسف، خرج الجميع ومن ضمنهم هشام الذي نظر لها وهي جالسة على الأرض كانه يواسيها وقف ينظر إليها قليلاً من بعيد دون ان يقترب منها ثم ذهب، بقت هي جالسة، لا تدري لماذا ربما لتستريح قليلاً من الركض وتلتقط انفاسها، كانت تعلم أن الدكتور يوسف مازال بالداخل لأنه لم يخرج مع زملائها، خرج الدكتور يوسف فجأة من الصالة ومد إليها يده وقال: أنا اسف .. امسكت بيده ووقفت أمامه، ونظرت إليه كأنها تقول لماذا فعلت كل هذا
الدكتور يوسف: تقبلي اعزمك على ايس كريم؟، هقولك كل حاجة، تقبلي تيجي معايا؟
لم تتكلم نجيبة ولكنها ارتدت حذائها وذهبت معه، ذهبا معاً إلى متجر مثلجات امام المدرسة ببضع ميترات، دخلا المتجر وقال لها: بحب ريحة الآيس كريم جداً هاتخدي ايه؟
ابتسمت نجيبة وقالت: شوكولاتة.
الدكتور يوسف: وانا زيها
خذا المثلجات وظلا يتمشيان قليلاً في شوارع وسط البلد، قال الدكتور يوسف: تعرفي انك مميزة؟ لبسك بسيط جداً والوانه متناغمة دايماً مع بعض الوانه غامقة اه بس مبهجة، اسمك كمان جميل، ذوقه حلو اللي اخترهولك، أكمل الدكتور يوسف: بحسك مختلفة ومحتفظة بالاستايل الشرقي بس مخك مش زي بقية البنات الشرقيين. 

تفاجئت نجيبة من رأي الدكتور يوسف عنها، حتى نظراته لها لم تظهر ذلك كيف وهو صامت طوال هذه المدة؟  شعرت لأول مرة ان اسمها فعلاً جميل ومختلف، لم تظهر فرحها برأي الدكتور يوسف فيها ولا تعجبها بما قال، ظلت صامتة مثلما كان صامت هو 
 تقبلي ترقصي معايا؟ كأعتذار ليكي عن اللي حصل مني.
نجيبة: ازاي في الشارع كدة؟
الدكتور يوسف: ومين قالك في الشارع تعالي نرجع المدرسة ونرقص على اي موسيقى انتي عايزاها .
عادا فعلاً إلى المدرسة ودخلا الصالة، توقفت نجيبة عند مشغل الأغاني لتختار اغنية.
نظر الدكتور يوسف إلى قدماها المتسختين، فردت دون أن ينطق هو بكلمة: اصلي جريت النهاردة من البيت للمدرسة
صمت الدكتور يوسف ثم قال: خلصتي Hard times  ؟
نجيبة: آه
دكتور يوسف: عجبتك؟
نجيبة: جداً على فكرة انا اخترت could I have this kiss forever ، نفسي ارقص عليها مع اني مبحبش الرقص الهادي، تقدمت هي نحو الدكتور يوسف وتقدم هو نحوها امسك بيدها اليسرى ووضع يده الاخرى على خصرها، وضعت هي يدها اليمنى على كتفه وبدا كل منهما التمايل، افلت الدكتور يوسف يده من على خصرها وابعدها عنه ثم سحبها إلى صدره مجدداً ثم تفرقا عن بعضهما البعض وهو يقول: ومين قالك انها هتكون هادية؟
راحا يحركان ساقيهما ثم دارا، امسك الدكتور يوسف بيدها وادراها وقال: فاكرة الحركة اللي تعلمتيها أول مرة؟ هتبقى حلوة على المقطع اللي جاي، ابتسمت نجيبة ثم قفزت على الدكتور ورفعت ساقها اليمنى على خصره والرجل اليسرى ظلت كما هي على الأرض، اعادت يداها مع ظهرها بالكامل إلى الخلف، واحكم هو مسكها من خصرها، شعرت نجيبة بالامان الذي تشعر به وهشام ممسك بها واكثر ولأول مرة تشعر انها خفيفة جداً، اما بالنسبة للدكتور يوسف هو ايضاً لاول مرة يشعر انه يرقص، ارتفعت لتعود إلى مكانها وموضعها الأساسي، كان الدكتور لأول مرة يشعر بأنه ليس الدكتور، يشعر بأن قواه جميعاَ كُسرت أمام عينان.
قال الدكتور يوسف: في كل مرة كنت بشوفك فيها مع هشام كنت بكون مبسوط لأني لقيت ثمرة تعليمي فيكم، لقيتكم متناغمين جداً كنت بكون مبسوط اني قدرت اعلمكم انتوا الاتنين مع بعض بس في نفس الوقت حسيت بالغيرة ليه اللي تمنيت وحلمت اني اكون معاها طول عمري تكون على هيأتك انتِ، ليه الله مختارليش انك تكوني في واحدة تانية ليه ظهرت على هيأتك انتِ، في عمرك، ليه التناغم اللي تمنيت اني احس به مع سيدة بعد كل السنين دي الاقيه معاكي انتِ بالذات، لما صرخت زي المجنون وطردتك من الصالة كنت بعاقب نفسي مش بعاقبك، بعاقب نفسي لأنك في حياتي ومش ليا، حسيت سعتها باني راجل عجوز، حكم عليه القدر بأن يحب الشعر الكحلي ومش يلاقي واحدة بالروح دي إلا انتِ، حسيت بأن عُمري ضاع هدر، كنت يومها عاجزعن تقديم اي شيء وشعور العجز كان بيطاردني، حمدت الله يومها انك مجتيش ولكني تفاجأت بك بتخبطي الباب، فصرخت عشان ادراي نفسي، ادراي خيبتي، صرخت فيكِ علشان تخرجي علشان متشوفنيش، كان الدكتور يوسف يقول كل هذا الكلام أمام عينيها، كلام لم ينطق به من قبل لأي أحد شعر بنار تجتاح أجزائه وكادت أن تسقط دموعه، كان يقول كلامه دون ان يشعر بنفسه وهو يقترب منها، إلى ان شعر بانفاسها أغمض عينيه ولمس شعرها، وطبع قبلة على شفتيها اللتان لاطالما جذبه اللون الأحمر الداكن عليها.
فتح الدكتور يوسف عيناه ليجد عيناها تقابل عيناه، قال لها بكل هدوء وهو يبعد وجهه عن وجهها: أنا اسف وافلت كفيها.
لم تتحرك نجيبة بعدما رأت عيني الدكتور يوسف بعدما قبلها، ظلت عيناها مرتكزتان على شفتيه، كل ما شعرت به هذه اللحظة بالصدمة، قضبت مابين حاجبيها وبلعت ريقها مبتدعة عنه، ابتسمت له وقالت: شكراً على الآيس كريم.. ثم ذهبت مبتعدة.
كان يعلم انه سيراها غداً ولكن بالنسبة له كفاية جداً ان يشاهدها من بعيد تاكل مثلجات من نفس المتجر، أو أن يراها تمشي واثقة من نفسها تحمي نفسها من نظراتهم الآكلة، أو حتى ان يراها معه مرة أخرى في المدرسة ولا يكلمها فقط يشاهدها وهي ترقص بالفستان الاحمر وهي تميل وترجع إلى الخلف بجاذبية، ويجد نفسه فيها، وتتجمد الصورة في خياله وهي تشبه القوس في ميلانها أو ان تنظر إليه وهي ترقص، نظرة واحدة كافية بان تيعد إليه ما ضاع من عمره هدراً في مشاهدة وباء الرقص الرديء، يكفي هذا كله بان يربكه ويشعره بالغرام المقدح الذي اشعره اول مرة رأها فيها بالذوبان.




رسالة ماتيلدا الأخيرة إلى انطوان

حبيبي، سأذهب قبل أن تذهب أنت.. سأذهب قبل أن تمت رغبتك وشغفك، حينها ستبقى العاطفة فقط، وأعلم أنها لن ت...